sila - salon international du livre d'alger 2013
 
الرئيسية|للاتصال بنا|الطبعات السابقة

الصالون ضيف الشرف البرنامج روح البناف صور و فيديو صحافة SILA

فضاء العارضين فضاء العارضين


معرض الصحافة الزوار
معرض الصحافة معرض الصحافة
فيس بوك

التحقوا بنا على صفحة الفيس بوك
 


روح طبعة

تشريح الاستعمار

إذا كان تاريخ البشرية قد شهد منذ العصور القديمة عمليات غزو احتلال دامية لأقاليم بأكملها، مصحوبة باستغلال لمواردها الطبيعية واستعباد سكانها الأصليين، إلا أن الاستعمار بمفهومه الحديث لم يترسخ إلاّ بداية من القرن الخامس عشر.

يستند على الاستكشافات الكبرى التي قامت بها البرتغال واسبانيا منذ البداية، والتي سخّرت التقدّم الذي أحرزته الملاحة البحرية من أجل تحقيق رغباتها في الغزو والثراء. إن الالتفاف حول أفريقيا للوصول إلى جزر الهند التي كانت إلى ذلك الحين مجرد حلم، يعود إلى البرتغالي فاسكو دي غاما الذي اجتاز رأس الرجاء الصالح في عام 1488 ليعود في العام التالي إلى مينائه بسفن محمّلة بالتوابل وخاصة بالفلفل. من جانبهم، انطلق الإسبان، الذين بدؤوا بغزو جزر الكناري، في اكتشاف العالم الجديد مع كريستوفر كولومبوس الذي وصل إلى جزر البهاما في عام 1492، وهو نفس العام الذي انهارت في غرناطة آخر معاقل الأندلس الإسلامية. كانت المنافسة بين القوتين الإيبيريتين حادة بحيث اضطر البابا ألكسندر بورجيا، منعا لنشوب صراع داخل المسيحية، لإصدار فتوى تعدّ أوّل تقسيم استعماري في العالم.

لكن الأطماع كانت كبيرة لدرجة أن التنافس بين المملكتين المجاورتين ازداد شراسة، خاصة وأنّه سرعان ما ظهر في هذا السباق من أجل الفوز بكنوز العالم لاعبون جدد: الهولنديون والبريطانيون والفرنسيون، وتلتهم بعد ذلك تدريجيا بلدان أوروبية أخرى. وبينما كانت حملات "اكتشاف" الأراضي الجديدة واحتلالها تتوالى، بدأت تتجسّد أولى أشكال الاستعمار. وهي تقوم على الاستغلال المفرط للثروات الطبيعية وغيرها من الثروات، فضلا عن استعباد الشعوب، الذي تجلى في ممارسات الرق الجماعي، ولاسيما في تجارة الرقيق انطلاقا من إفريقيا. كانت مثل هذه الفتوحات لبلدان تجهل تماما وجود أوروبا تتم عموما باستخدام أبشع أساليب العنف، تسببت في سقوط ملايين الضحايا عبر العالم، ناهيكم عن الوفيات الجانبية الناجمة عن الأوبئة التي أدخلها الأوروبيون، وحالة الفقر المدقع التي غرق فيها سكان هذه البلدان من جراء ذلك، بعدما حرّموا من مواردهم وحريتهم في التصرف. في كتابه "المعذّبون في الأرض" (1961)، بيّن فرانز فانون بروعة العلاقة الوثيقة بين الاستعمار والعنف.

غير أن الاستعمار، بوصفه ظاهرة تاريخية أفرزها قبل كل شيء صعود الرأسمالية الأوروبية (بحثا عن الموارد الطبيعية واليد العاملة وعن أسواق)، هو أيضا إيديولوجية تواكب وتبرر مجرياته على أرض الواقع. فكانت له منذ البداية "أقلامه" التي تفتي في تفوّق العرق الأوروبي على غيره من الأعراق والأجناس فوق هذه المعمورة، سواء من خلال أعمال أدبية، مثل "روبنسون كروزو" (1719) لدانييل ديفو، أو من خلال مقالات "علمية"، أو أخيرا من خلال الخطاب السياسي. حتى كبار كتّاب عصر التنوير في فرنسا، الذين رفعوا لواء الأفكار النيّرة التي أدت بالثورة الفرنسية لصياغة إعلان حقوق الإنسان والمواطن (1793)، دافعوا، باستثناء دونيس ديديرو، عن مبادئ الإيديولوجية الاستعمارية. نذكر من بين هؤلاء جول فيري، وهو سياسي متشبّع بتلك المبادئ، الذي صرّح يوما قائلا: "يجب أن نقرّ علنا بأن للأعراق السامية حقا على الأعراق الدنيا" (مجلس النواب، 28 جويلية 1855). وهذا الحق، في رأيه، يلازمه واجب التمدّين الذي عرّفه المستكشف وضابط البحرية فرانسيس غارنيي على النحو التالي: "هل يحق لبلد مثل فرنسا، عندما تطأ قدمه أرضا أجنبية ومتوحشة، أن يسعى فقط من أجل توسيع تجارته ويكتفي بهذا الدافع الوحيد، ألا وهو السعي وراء الربح؟ إن هذه الأمة المعطاءة، التي يحكم فكرُها أوروبا المتحضرة، واجتاحت أفكاره العالم، قد حمّلته العناية الإلهية رسالة أسمى، وهي رسالة التحرر والدعوى إلى التنوّير وحرية الأجناس والشعوب التي لا تزال أسيرة الجهل والاستبداد "("الكوشينشين الفرنسية"، 1864).

هذا الإدعاء بتفوق الأوروبيين على "البرابرة"، أي غالبية سكان المعمورة، استندت إلى أطروحات مغلفة بثوب علمي، بل وأسسّت عليها مدرسة كاملة مختصة بالإثنولوجيا الاستعمارية، وترسانة من الأطروحات الطبية والأنتروبومترية (القياسات البشرية) والبسيكولوجية، وغيرها. ورفعت لواءها أيضا حركة أدبية وفنية واسعة وقوية، هي حركة الاستشراق التي استقطبت العديد من الأسماء، منها أسماء مرموقة في فن الرسم وكذلك في الموسيقى والمسرح... فمن خلال توجهّها الإكزوتيكي السحري، حوّلت حركة الإستشراق الكائنات البشرية إلى أشياء جامدة تصنّف في نفس الخانة التي توضع فيها الزخرفة، بالتركيز على الصور المتخيّلة المتكررة (جواري فاتنات، متسوّلون بأثوابهم الرثة، محاربون متعطشون للدماء...) وعلى تسفيه وازدراء قيم الشعوب المستعمرة.

والدليل على قوة هذه الأفكار وتجذرها أن تحليل محتوى الأخبار التي تنقلها وسائل الإعلام اليوم، يكشف بسهولة عن رواسب هذه الأفكار وعودة بعضها. لا شك أن مفهوم "القرية العالمية" الذي فرضه التطور المذهل لتكنولوجيات الاتصال الجديدة، قد أقام شبكات معلومات كونية لم يسبق لها مثيل وساهمت في إثراء التبادلات الثقافية بين الأفراد والشعوب. لكننا نلاحظ أن الأحكام المسبقة وكراهية الأجانب والعنصرية والاستخفاف بما لم نعد نطلق عليه اسم "العالم الثالث"، قد وجد مجالات تعبير هائلة ومخيفة. فبدلا من الوئام الموعود به في القرية الافتراضية، نشهد انفجارا للكراهية على الشبكات الاجتماعية. ونلاحظ أن الأفكار التي صنعت وواكبت الاستعمار في هذه المحتويات، لا تزال قائمة بأشكال وصياغات خطابية أخرى. فلو أخذنا كمثال مشروع القانون المتعلق "بالدور الإيجابي للاستعمار" في فرنسا الذي صودق عليه عام 2005، وإن كان حالة شاذة، فهذا يدل على أن الأفكار الاستعمارية لا تزال تتمتع بنوع من الحيوية.

إن صالون الجزائر الدولي للكتاب، إذ يفتح نقاشا تحت عنوان عام "تشريح الاستعمار"، لا يقصد حصر الموضوع في تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر، بل يدرجه ضمن الحركة الواسعة والرهيبة التي أدت على مدى عدة قرون وعلى امتداد أكثر من أربعة أخماس البر والمحيطات إلى احتلال أراضي واضطهاد شعوب بأكملها. وبالتالي، فإن الموضوع يشمل أيضا القارة الإفريقية التي جزّرت جزرا خلال هذه الفترة، من الكونكيستا الإسبانية والبرتغالية في أمريكا اللاتينية، وتأسيس الإمبراطورية البريطانية "التي لا تغيب عنها الشمس أبدا"، والاستيلاء على العالم العربي، والاحتلال الهولندي والإيطالي والبلجيكي وغيره في آسيا وأوقيانوسيا وفي المناطق التي اكتشفها المستكشفون الأوروبيون.

ومثلما يحدث في الطب الشرعي، يتطلب إجراء أي عملية تشريح تحديد أسباب الوفاة، ولأن الاثنين مرتبطان بعضهما ببعض، يجب أيضا الاستفسار عن الخصائص السابقة للجثة. وإذا طبقنا ذلك على موضوع هذه الندوة، فهذا يقتضي منّا البحث عن ميلاد الاستعمار وأسبابه وخطواته الأولى، والنظر في كيفية تطوره واستمراره بالرغم من كل التناقضات التي يحملها بداخله، قبل بلوغه لحظة الاحتضار من خلال الاستقلال الذي انتُزع بفضل كفاح الشعوب.

لا يمكن لهذه المقاربة إلا أن تكون شاملة وتمس جميع جوانب المسألة: العسكرية منها والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وما إلى ذلك. على سبيل المثال، هل لدينا اليوم، في مشرحة التاريخ، حصيلة اقتصادية عن استغلال الدول الاستعمارية لبقية بلدان العالم؟ فهل يمكننا أن نحدد بالأرقام عمليات نقل الثروة التي جرت آنذاك على نطاق عالمي؟ وما الذي قدّمته البلدان المستعمرة إلى أوروبا من حيث الاستيلاء على الأراضي، واستغلال الموارد الطبيعية والمناجم المعدنية من شتى الأنواع، وتحويل الكنوز التاريخية، وفرض الضرائب على السكان، ونهب الممتلكات الثقافية، واستغلال قوة عاملة وفيرة وشبه مجانية، وتجنيد القوات المسلحة من أجل غزوات جديدة، أو حروب لا تعني غالبا الشعوب المستعمرة؟ لقد مرّ التاريخ الاقتصادي للاستعمار بمراحل كبيرة بفضل بحوث مثيرة لكنها غالبا مجزأة لكونها لا تعني سوى بلد واحد أو منطقة واحدة من العالم، أو ربما فرع واحد من فروع النشاط.

إن الحرص على المطالبة بحصيلة إجمالية ومفصلّة على هذا الصعيد لا يجب أن يغنينا عن البحث في العواقب البشرية للاستعمار الذي يصفه إيمي سيزير بكونه "نفيا للحضارة". وقد أكد الشاعر والكاتب المارتينيكي، مؤلف كتاب "رسالة في الاستعمار" (1950)، في رد استباقي على مشروع القانون المذكور أعلاه، قائلا: "تُتلى على مسامعي أحداث وإحصائيات وكيلومترات من الطرق والقنوات والسكك الحديدية. أنا أتكلم عن آلاف الرجال الذين ضُحيّ بهم في كونغو المحيط. إننّي أتحدث عن أولئك الذين يقومون، في هذه اللحظات التي أخط فيها هذه الأسطر، بحفر ميناء أبيدجان بأيديهم. أنا أتكلم عن ملايين الرجال الذين أبعدوا عن آلهتهم وعن أرضهم وعاداتهم وحياتهم وعن الحياة، وعن الرقص والحكمة. أتكلم عن ملايين الرجال الذين غُرس في نفوسهم الخوف وعقدة النقص والارتجاف والركوع واليأس والتزلف". فإذن إن تشريح الاستعمار يشمل أيضا تشريح ملايين الضحايا، والتحقق من حضورهم في ذاكرة البشرية. ومثل هذا المسعى يستبعد ضمنا أي روح انتقامية، وإنما يقوم على الحق في الاعتراف على أساس الحقائق التي يثبّتها المؤرخون بكل روح عقلانية.

لكن، وعملا بقواعد الطب الشرعي دائما، يجب التأكد من أن "الموضوع" قد توفي فعلا، حتى يتسنى الإعلان رسميا عن الحقيقة. كانت خمسينات وستينات القرن الماضي السنوات التي تحققت خلالها معظم حالات الاستقلال في العالم وخاصة في إفريقيا. خلال هذه الفترة، ظهر مفهوم "الاستعمار الجديد" الذي غالبا ما يرتبط بمفهوم "الإمبريالية".

يُنسب هذا المفهوم لجان بول سارتر ويُرجح أنّه صاغه في عام 1956، وأن كوامي نكروما، زعيم استقلال غانا، هو أوّل من أذاعه وأشاعه عبر كتابه: "الاستعمار الجديد، آخر مرحلة للإمبريالية "(1965) وعبر مختلف خطاباته. يعرّف الاستعمار الجديد في أهم المصنّفات باعتباره شكلا مداريا للاستعمار، يسعى لإدامة آليات الاستغلال السابقة تحت ستار الاستقلال السياسي. هذا المبدأ العام، الذي طبق فعلا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، تطوّر في إطار الدول الوطنية.

يحق لنا أن نتساءل كيف يمكن أن يضمن ديمومته في ظل تسارع عمليات العولمة التي ميّزت نهاية القرن وبداية الألفية الثالثة. فهل يتمثل هذا التطور في مجرد استبدال، على رأس آليات الاستغلال، للدول المهيمنة بالشركات المتعددة الجنسيات القوية؟ لكننا في نفس الوقت نرى أن الدول الرائدة لا تزال تلعب أدوارا حاسمة دبلوماسيا وعسكريا، مما يؤثر على المصير الاقتصادي للبلدان الأقل تقدما. هل يمكن الجزم بأن الاستعمار ما زال قائما من دون أن يمتلك جنسيات محددة، وأن الاستعمار القديم قد تجدد في عصر تكنولوجيات الاتصال الجديدة؟

سيتم تناول جميع هذه الأسئلة يوم أوّل نوفمبر 2017، وهو اليوم الذي يخصصه صالون الجزائر الدولي للكتاب عادة لتاريخ الجزائر الحديث والمعاصر، تزامنا مع الاحتفال بيوم اندلاع الثورة التحريرية عام 1954.



 
Partenaire du SILA - Salon international du livre
جميع الحقوق محفوظة - صالون الجزائر الدولي للكتاب © Conception, Réalisation & Référencement
bsa Développement